الوصف
مراجعة القارئة ميمونة الطويل:
“كلمات صغيرة، تريك ألا حدود لعقل القارئ حين يهم بالكتابة، حين يملك دافعًا، ويمعن في قراءة الوجود، والحياة، والطبيعة، فلا يولد نص من عدم ولكن يجب أن يوجد محرك يجمع الكلمات، فتصطف مشكلة آراءه الشخصية، أو تصف واقعًا، أو تحلل حادثة كل ذلك ممكن إن استطاع أن يجمع حصيلته مما قرأ ويوظفها لتحقيق غايته .
سُئل الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله : كيف له أن يكتب كل هذه المؤلفات، والمقالات اليومية ويأتي بكل جديد في كل مرة ؟ فأخذ السائل في جولة معه وجعل كلما مر على موقف قال: ” خذ هذا موضوع ” حتى أجتمع لهما في رحلتهما القصيرة سبعة مواضيع كل منها في مجال مختلف .
وكعادته يغوص بك الشيخ الطنطاوي في عمق واقعك ، ويريك ما قد غيب بصرك عنه ، يرشدك ويقومك ، يسلب لبابة فؤادك بحديثه الخالي من التكلفه، حين تقرأ له تشعر أن الحروف تنسل من قلب مقدر للكلمة ، يزنها مدركًا كيف يمكن لبضع كلمات أن تقع من نفس أحد القراء موضع التأثير ؟ فيدافع بقلمه عن أعراض أمته ، يصيح فيها ألا تفتر هممهم وتسكب طاقاتهم خارج المنابت، يكتب في الظلم، والسرف، وضبط المواعيد، وحق الجار، يظهر تارة بحنان الأب وغيرته، وتارة أخرى بحزم القاضي، وتارة يعتلي المنابر خاطبًا، ويقف أمام الطلاب تارة أخرى . ويقول الطنطاوي أيضاً في تقدير شأن الكتابة : ” إن من الورق ما يصح أن يكون كفنًا لميت ، وإن من الحبر ما يسوّد الوجه ويعمي البصر ” فإن الكتابة في حقيقتها ليست مجرد رصف وتنسيق للكلمات بلا معنى وغاية، إنما فعل فيه من الجلاء والقوة لمواجهة الباطل وإزالته، وفي كل أدواره تلك يبقى علي الطنطاوي بشخصيته متفردًا ، راسخ القيم، والأخلاق، يهدي القارئ قواعد للكتابة، فليس للكاتب حق تتبع العورات، وإثارة الفتن، وإنما يلزم الكاتب أن يتحرى النفع، والعلم، والإصلاح،والصدق، ويلتزم بالحدود والآداب، وأن يدرك أهمية ما ينشره؛ لإنارة الفكر وتقدم العلم ، وأن يعي ما للكلمة من ثقل في الميزان قد تهوي بصاحبها في جهنم أو ترفعه في الجنة.
وهذه الكلمات الصغيرة ، مقالات كتبها لنا الشيخ على مر سنين علنا ننتفع بها ، بقيت أثرًا يمتد بصاحبها بعد الممات”