الوصف
“يقول ويل ديورانت عن الفلسفة في هذا الكتاب:
“ليست الفلسفة محبوبة اليوم لأنها فقدت روح المغامرة، ذلك أن ظهور العلوم المفاجئ استلب منها واحداً بعد الآخر عوالمها القديمة الشاسعة، فأصبحت الكوسمولوجيا علم الفلك والجيولوجيا، و الفلسفة الطبيعية علم الحياة والطبيعة، وتحولت فلسفة العقل في هذه الأيام إلى علم النفس. … ولم يبقَ لها إلا قمم الميتافيزيقيا الباردة، وألغاز الابيستملوجيا (نظرية المعرفة) الصبيانية، ونزاع أكاديمي حول أخلاق فقدت كل أثرها على الإنسانية. … ولعل العالم ينسى أن الفلسفة كانت موجودة، وأنها حركت القلوب وأرشدت العقول”
ما أشد الإهمال الذي يلحق الفلسفة اليوم لأنها وببساطة أُقصيت عن دائرة العلوم والمعارف الإنسانية التي تُعد هي نفسها المنبع الأصلي والرئيسي لها. فالإنسان عندما يسأل ويستقصي ويبحث ويجرب ويطلب الفهم ويسعى إلى المعرفة فذلك لمحبته للحكمة ورغبةً منه في إيجادها واعتناقها. والفلسفة بوصفها حب الحكمة هي أساس كل علم لأنها وببساطة أساس أول تساءل طرحه الإنسان على نفسه بهدف الوعي وطلب المعرفة
وبهجة الفلسفة تكمن في استذكار تلك اللذة من المعرفة، ذلك الاحساس بنشوة الفهم واقتراب الذهن من رسم صورة قد تكون جلية لما يراه ويسمعه ويبصره ويحسه ويدركه في هذا الكون والعالم الفسيح.
الفلسفة ضرورة، ليست ترفاً للعقل، ولا إضاعة للوقت في كلام ملغز غير مفهوم، بل أنها جزء أصيل من أي معرفة إنسانية، ففي بداياتها كانت واضحة المعالم في كونها سعياً للحكمة ولكن ما إن انتزع الإنسان الفلسفة من بحثه وعلومه حتى بدت المعرفة الإنسانية مجرد ميدان تتكاثر فيه التخصصات والفروع بشكل سرطاني ويبلغ بها الإنسان مستويات وحدود يصعب حصرها، ولكن أين الحكمة وأين الغاية من كل هذا العلم المتراكم وهل أصبح طلب العلم أفضل عندما جُردت عنه الحكمة وهي أصلاً غاية الغايات؟ ما هي النتيجة التي تمخضت عن ذلك سوى إنسان مجرد من الفلسفة أي من الحكمة؟ وما الذي سيفصل الإنسان عن سائر الكائنات إن لم تكن مقدرته على أن يكون حكيماً؟
يقول ديورانت في كتابه هذا: “وإذا كنا نفكر فليس ذلك لأننا نهوى التفكير، بل لأننا يجب أن نفكر، فعالمنا الحديث كثير المزالق والتغير بحيث لا يسمح بمواجهة الاستجابات الثابتة الطابع. … إن بهجة الفهم الممزوجة بالألم مثل نشوة الحب. … “الحياة بغير تفكير غير جديرة بالإنسان” زهراء طاهر