الوصف
“عابرون في الزحام” هي المجموعة القصصية الثانية لنهى الطرانيسي، وهى مجموعة قصصية تشمل قصصًا قصيرة، إضافة إلى قصائد نثرية تدور حول الأشخاص المهمَّشين في العالم والتركيز على ما يدور في أنفسهم، وتعبر عن أفكارهم وآمالهم وآلامهم، وذلك عبر رؤية موسعة وخيال واسع.
جاء في تصدير المجموعة:” هي قصصٌ تدعونا للتأمُّل والتفكير وسماع أنفسنا داخلَ كلِّ كلمة؛ لنفسِّر تقلبات النفس إزاء ما يَعتريها من أمور.. فجميعُها أصداء قد تحدُث لنا أو لغيرنا، ولا يستطيع كثير منا التعبير عنها.”
هَمْس الوَرْد: قراءة نقدية في (عابرون في الزحام) لنهى الطرانيسي – بقلم: أ.د. أحمد إسماعيل عليان (بتصرف):
“سيسري في وعي قارئ “عابرون في الزحام” للكاتبة نهى الطرانيسي بطولة المعنى المجرد وشعور يصحبنا برهبة عبور الإنسان إلى بر الرحيل الأبدي، وتزداد الرهبة حينما يكون الرحيل في زحام لا يمنع الرحيل،
في قصتها “ذرة في رحم العاصفة” تغلب الشعرية أسلوبا ودلالة وهي تغرق في توصيف “الدفء الفقير”، فتشخص أعضاء هذ الإنسان الفقير في حوار وتساؤل دائمين يحيلنا إلى الواقعية الاشتراكية والإنسانية المعذبة، ويصل العذاب ذروته في “الراحلون سحرا”، حيث نساء القرية يحملن البيض والجبن مقرفصات في صندوق عربة النقل الخلفي، يمثلن المركز التائه إلى العاصمة، واقعية تدمي القلب رغم ابتساماتهن وضحكاتهن وحواراتهن، وتعلو وتيرة الحزن الأنثوي عند نهى الطرانيسي في ومضتها القصصية “الستائر البيضاء”، حينما تكون الساردة هي الأم مريضة الذاكرة بالزهايمر تتحد مع الغيمة والسحب والستائر البيضاء.
ولا يغيب حضور الكائنات في حوار كوني مسترسل مع الإنسان، وتظل المعاني والأفكار في صدارة البطولة الحقيقية لهذه المجموعة القصصية، فنقرأ عن “الفساد المتطور” في “الشريط الأحمر” عندما يزداد جنوح الإنسان إلى إعمار كواكب آخر بعد إفساده الأرض، وتنبعث الحكمة أنثوية ثاقبة الرؤية: كيف يهنأ الإنسان بالكوكب الجديد والعقل الذي دمر الأرض سيذهب هناك!!!، وتشخص الكاتبة في قصتها “قبل الغروب” الأشجار تحذر من طغيان الإنسان وإفساده نقاء الطبيعة لغرض مادي مؤقت، وتخاطب الكون وعناصر الطبيعة التي تصرخ داخلها تعاني الشك الأزلي، وتظل بسمة الطفل أملا ودواء لإنسانية قادمة.
وبنظرة كونية رقيقة تصور نهى معاناة الصيادين وأسرهم على سطح الماء من حكي طفلة الصياد التي تقارن حياتها بحياة زميلاتها في المدرسة،وكما تجف الإنسانية شيئا فشيئا يجف رزق الساعين الفقراء؛ فقد هاجر السمك إلى نهر آخر بلا أحلام طافية على السطح، ويظل الحلم قصيا فلا اغتنى الصياد ولا استقرت أسرته في منزل له سقف وشرفة.
ولأن هذه الحياة حكاية في فم الأحبة تصغي الطفلة الساردة المسرود لها لحكايا الخالة الضريرة عن الجدين في “ما زلنا صغارا”، وتتقافز الأسئلة الكبيرة في ضمير الطفلة الصغيرة: أين ذلك الذي لا أراه؟ وكيف أراه؟ فتجيب الخالة الضريرة: لأن عيوننا ضيقة؛ لا نرى الكمال فيما لدينا من الجمال. وكما تملأ نهى فضاءات الطريق وزوايا الضمير بحكاياها الشجية تملأ فضاء العزلة في “سكون” بحكاية فتاة تأنس بعزلتها في غرفتها زاهدة في الكلام هادئة بين الصمت والدُّمَى، بينما تعاني أمها محاولة إخراجها من عزلتها وعلاجها، فالحياة لا تصفو لأحد ولا تكتمل، وقد يتأخر النضوج ولكنه يأتي في حكمة يسيرة تصوغها نهى “كنا طيبين وسذجا”، وتكرر العبارة مرارا موحية بروعة التعلم لتلقي الجديد الذي لا ينتهي.
ثم تأتي نصوص نثرية في أسطر شعرية كأنها حكايا مفردة لمشاعر جديدة قابلة لصياغات حكائية جديدة.”