الوصف
“عبد السلام هارون شيخ محققي التراث الذي أثرى المكتبة العربية بما أخرجه للناس من أسفار الأدب و معاجم اللغة ، حتى صار رائدا من رواد النهضة العلمية و الإنبعاث الأدبي الحديث ! ، لدرجة أن قال عنه الباحثون : إنه لم يخط أحد سطرا عن التراث العربي إلا و لعبد السلام هارون منة عليه ، حيث يندر أن نجد أحدا يتعامل مع مصادر الأدب و اللغة إلا و يجد نفسه قد استعان بمصدر من تحقيقات الأستاذ رحمه الله .
— كان لنشأة الأستاذ هارون في بيت علم و أدب أكبر الأثر في شغفه بالتراث و كتبه ، و قد حفظ القرآن الكريم منذ صغره و استمر متفوقا في دراسته حتى تخرج من كلية دار العلوم { فهو درعمي ! } سنة 1945 م ، ليبدأ مسيرته العطرة في التدريس و التأليف و التحقيق . و قد كان من المؤسسين الأوائل لجامعة الكويت و تولى فيها رئاسة قسم اللغة العربية و الدراسات العليا ، و ذاعت شهرته مبكرا بفضل ما أصدره من كتب و تحقيقات ، و لم يكن قد تجاوز الثامنة عشر من عمره عندما حقق و أصدر الجزء الأول من كتاب { خزانة الأدب و لب لباب لسان العرب } للعلامة عبد القادر البغدادي .
أما عن هذا الكتاب فهو زبدة تقييدات الأستاذ رحمه الله من خلال مسيرته الطويلة بين الكتب و المؤلفات ، حيث كانت تستوقفه الكثير من الأخبار التراثية و الروايات و المقتطفات أثناء قراءاته المتعددة فكان يقوم بتدوينها في كناشته ، راميا من وراء ذلك إلى التأكيد على أسبقية العرب و المسلمين في الكثير من مجالات الحضارة و صور التقدم ، و هو يمثل حصيلة خمسين عاما من القراءة و التجوال بين الكتب و الأوراق ! . و نجد فيما دونه الأستاذ في هذه الكناشة مخزنا هائلا من المعلومات و الفوائد التي لن تظفر بها في كتاب واحد ، و قد يعز عليك العثور عليها ! ، كون البعض منها إستله الأستاذ من كتب لا تزال مخطوطة في خزائن التراث أو مؤلفات لم تشتهر و لم تقع على سمع أحد حتى و لو كان من المتمرسين في القراءة و البحث العلمي . و هذا درس للقارئ أن يجعل لنفسه كناشة خاصة لتدوين ما يجده أثناء القراءة مهما أو نادرا من أخبار الماضين و تراث الأولين ، أو ما يعجبه مما يستحق التقييد من كتب المعاصرين ، ليعود إليه بعدها فيحفظ منه ما يكون له عدة و زادا للإستشهاد و الإستدلال ، أو ليستعين به في كتابة البحوث و إنشاء المقالات ( و هذا طبعا إن كان كاتبا } . و قد صدق من قال : إن { اختيار المرء قطعة من عقله ، تدل على تخلفه أو فضله ! } ، و لذا فقد جاءت اختيارات الأستاذ هارون رحمه الله حافلة بالكثير من المفاجآت و القضايا المجهولة و المستغربة ! ، و هذا دليل على ثراء تراثنا و أنه كنز غني تطل الأنظار منه على حضارة كانت سيدة للعالم أوان عزها بامتياز العلم و المعرفة .
يورد مثلاً في كتابه إحدى المظاهر الحديثة التي لها أصل قديم في حضارتنا ، و التي قد يستغرب أبناء جيلنا أن أسلافهم قد سبقوا الأمم الأخرى فيها ، وهي لبس الشعر المستعار ، و الذي صار موضة عصرية ، و كثر استعماله في البلاد الأوربية و حتى في المسارح و الأفلام يلبسه الممثلون و الفنانون . و إنما هي بضاعتنا ردت إلينا { كما يقول المقيد رحمه الله } فقد كان الشعر المستعار يسمى في لغة الأسلاف ب { الجمة } ! ، و يقيد المؤلف نصا في ذلك من كتابه { الأغاني } حيث يقول مؤلفه { أبو الفرج الأصفهاني } متحدثا عن ابن سريج المغني : إن ابن سريج كان آدم ( شديد السمرة ) أحمر ، ظاهر الدم ، سناطا ( لا لحية له ) …… و أنه بلغ خمسا و ثمانين سنة ، فصلع، فكان يلبس جمة مركبة ( أي : شعرا مستعارا ) . و أصل الجمة مجتمع شعر الرأس !”
– يوسف الأندلسي