الوصف
” … طلبت إليَّ مجلة ” الهلال ” في آخر سنة 1949 أن أكتب لها سلسلة مقالات بعنوان ” رسالة إلى ولدي ” تنشر خلال عام 1950 ، فأتممتها اثنتي عشرة مقالة في كل شهر مقالة ، وجهِّت فيها نصائحي ونتائج تجاربي إلى ولدي. وصادف أن كان لي ابن يُتِمّ تعليمه في انجلترا فاستحضرته في ذهني عند كتابتها . … وهذه العادة ، عادة كتابة الآباء إلى الابناء ، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم نصيحة لقمان لإبنه ، وكثيراً ما نصح الملوكُ عمّالهم في كيف يسيرون وأي منهج ينهجون : نصح عمر بن الخطاب أَبا موسى الأشعري نصيحته المشهورة في كيف يسير في القضاء ، وقالوا إن عليِّ بن أبي طالب نصح الأشتر النخعي بنصيحته المشهورة عندما ولاه مصر . واستمرت هذه النصائح في التاريخ الأدبي إلى يومنا هذا …. ولما كان لكِّل عصر نصائحه ، ولكل عصر أسلوبه آثرتُ أن أَجْري مجراهم مراعياً اختلاف البيئة واختلاف العصر .”
أي بني …أهم ما رأيت وجربت
أي بني !
إني لأَعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني ، وربيت تربية غير تربيتي ، ونشأت في بيئة غير بيئتي .
كنتُ في زمن شعاره الطاعة ، وأَنت في زمن شعاره التمرد ، وتعلمتُ أول أمري في كُتّاب حقير ، نجلس فيه على الحصير ، مدرس جبار ، يضرب على الهفوة وعدم الهفوة ، ويمرن يده بالعصا فينا كما تمرنون أيديكم على الألعاب الرياضية ، وأنت تعلمت في روضة الأطفال ، حيث تشرف عليك آنسة رقيقة مهذبة وتقدم لك تعليم القراءة والكتابة في إطار من الصور والرسوم والأغاني .
ولو عددت لك الفروق بيني وبينك ، في زمني وزمنك ، وتعليمي وتعليمك ، وبيئتي وبيئتك ، لطال الأمر . ولكن برغم كل هذا لا يزال بيني وبينك وجوه شبه أعمق من هذه المظاهر . والإنسان في جوهره والجمعيات البشرية في نزعاتها الأصلية فترجع إلى أصول واحدة ، ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد الخلف . فلأقص عليك شيئاً من تجاربي التي أعتقد أنها تفيدك .
أهم ما جربت في حياتي أَني رأيت قول الحق والتزامه ، وتحري العدل وعمله ، يُكسِب الإنسان من المزايا ما لا يُقَّدر . لقد استفدت منه راحة الضمير ، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل ، واستفدت منه حُسن ظنهم بما يصدرعني ولو لم يفهموا سببه ، ومع هذا فقد استفدت منه ايضاً مادياً أكثر مما استفاد غيري ، ممن لم يلتزموا الحق ولم يراعوا الصدق والعدل .
فإذا أردت أن تنتفع بتجربتّي فالتزم الحق والصدق والعدل في جميع أعمالك مهما تكن النتيجة .